مِن الأمراض الروحية المُنتَشرة في هذا العصر، السيطرة وامتلاك الآخر، وخاصة في البلاد التي لها تاريخ مِن العبودية مِثل مصر. فالتاريخ يَحوي عبيد وأسياد؛ مما جعلنا لا نَستَغرَب هذه الصورة إذا رأيناها، فإذا تَمَلَّق شخص أحد ما، وتعامَل معهُ بانسِحاق مُحاوِلًا أن يَحصُل على رِضاه، فإننا نَعتَبِر ذلك أمر طبيعي، لأن الآخر في مقام عالي
مهما كان هُناك فَرق في التعليم أو في العائِلة أو المَركَز الاجتماعي أو المَركَزالمادي أو السِن، لا يوجد ما يَستَدعي أن يتعامل إنسان بدون نِدِّية –مِن مستوى مُختَلِف- مع الآخر، لا يوجد شيء يجعلك تتعامَل كعَبد، فلَم يَخلِقَك الله هكذا، مهما كُنت تفتقد الكثير، أو لا تَملُك شئ. ولكن في المُقابِل، لا يُعني ذلك أن تتعامل بكبرياء فوق الآخرين، لأن كبريائك أيضًا يُعني أنك في تلك المَنظومة التي تَرفَع شخص وتُخفِض الآخر
في هذا الزمان، أصبح مِن الطبيعي أن نرى أن الصديق يَمتَلِك صديقهُ، والأم والأب يَمتَلِكوا أولادِهِم، والقادة يَمتَلِكوا المَرؤوسين؛ فجميعهم يشعروا أن كل ما يُقَدَّم مِن اهتمام أو محبة أو تعليم أو ماديات للأبناء أو للمَرؤوسين، يُعطي للآباء وللقادة الحق في أن يجعلوا أبنائِهِم ومَرؤوسيهم مُستَعبَدين، فيجب أن يَفعَلوا كل ما يُمليه عليهم ساداتِهِم، وإن لم يَفعَلوا ذلك، يكونوا غير خاضِعِين وغير مُبَارِكِين لأهلِهِم
هناك فهم خاطئ عَن مبدأ أن أُبارِك الأهل أو أحتَرِم الأكبر مني. فليس معنى الاحترام هو الإذلال، ليس معناه أن ألغي عقلي ومشيئتي ومشيئة الله لحياتي، فإن سَلَكت هكذا، ذلك يصير إمتلاك. أن أشعُر أن هذا الشخص هو لي، فهو مِنِّي ولي وهو لا يَملُك الإرادة الحُرة، بل هو يجب أن يكون ويسلك وِفْقًا لإرادتي ومَعَايري وأفكاري، يجب أن يُحَقِّق لي السعادة والشِبَع
نعم، كل شخص له فِكر ما عَن أمر مُعيّن، يَشعُر أنه مِن الأفضل لأبنائهِ أن يسلكوا بحسب هذا الفِكر، ولكن كيف أُقَدِّم تَعليمي الصحيح لأبنائي؟ وبأي طريقة؟ هل بأن أفرِض عليهم وأن أجبِرهم وبأن أُوصي كل مَن حولهم أن يعطوهم نفس التعليمات، وبأن أملأ العالم بكلام يُقَدِّم نفس التعليم، وبأن أُوصي كل مَن حولهم بأن يتعاملوا معهم بِغضَب إذا كنت أنا الأب أو الأم غاضِب عليهم لأنهم لا يتبعوا تعليمي؟ إذا قُمنا بذلك، هل في هذه الحالة نُجبِر الآخرين أم نَحتَرِم إرادتهم الحرة؟
الله خالق كل شيء، قَد أعطى الإنسان إرادة حرة، حتى وإن أخطأ الإنسان واختار أن يَترُك الله ويَذهَب ليَعبُد آلهة أخرى، مهما كانت النتائِج كارِسية، مع ذلك لم يمنعنا الله أن نُخطِئ أو أن نُجَرِّب طُرُق أخرى لنسلك فيها. ولكن للأس فهؤلاء الذين يعتقِدون أنهم أعلى مِنا، لَم يَترُكوا لنا هذه الإرادة الحُرة، وكذلك نَفعَل نحن بأبنائِنا
دَخَلَ في قلوب الكثيرين، الرَغبَة في السيطرة، بل التَمَتُّع بامتلاك لا أشياء قَيِّمة مِثل بيوت أو ذهب أو سيارات أو مال، بَل امتلأ القلب بِرَغبة في أن يتمتع بامتلاك الأشخاص وامتلاك محبتهم، ظانًا أن هذا مِن حقي، أن الشخص الذي أُقَدِّم أنا لهُ خِدمة، أن يصير مُستَعبَد لي، أن يَفعَل ما أُريد بالضبط كما أُريد، وأن يَرُدّ لي المَعروف. نعم يجب تقدير محبة وعطاء الآخرين لنا، ونعم يجب أن نُبارِك بعضنا البعض، ولكن يجب أن يكون القلب مُستَقيم، أن لا يُجبِر الآخرين ولا أن يستعبدهم كمُقابِل عطاء بعض الأمور المادية أو المعنوية
وهنا تَكثُر المشاكِل في العلاقات، فذلك الأمر هو بؤرة لتحَطُّم الكثير والكثير مِن الأمور التي كان مِن المُمكِن أن تُصبِح صالحة إذا استُخدِمَت في حدودِها اللائقة. إن عدم احترام الآخر أو عدم احترام حدوده أو رغاباتِهِ أو إرادتِهِ، تجعلني أفرض عليه بعض الأمور فيما أكون شاعِر بأن مِن حقي أن أُرغِمَهُ أن يفعَل تلك الأمور؛ وبالتالي أُخضِعَهُ، بَل أُصَيّرَهُ خانِع لي، واستمر في تكرار الأمر مع آخرين؛ كما أني لا أكتفي بذلك، ولكني أستخدِم آخرين ليُخضِعوأ ذلك الشخص لي، وأجعلهم جميعًا يروا أن ذلك مِن حقي لكوني أب أو أم أو مُعَلِم أو حتى صديق. عدم إعطاء الحرية لأبنائي أو للأشخاص الذين أتعامل معهم، يجعلني أُدَمِّر هذا الشخص، نفسًا وروحًا، حيث أني في بعض الأحيان أسعى لأصنع مِنهُ صورة طِبق الأصل لي، ولكنها بالطبع غير حقيقية بَل مُشوهة. فبتلك السيطرة أكون دَمَّرت كل قدراتِهِ التي تتعارَض مع فكري أو حتى تختلِف عمّا أعرفه، فأنا أُريد صورة طِبق الأصل منّي، وأشعر في تلك الصورة أنها الصواب الوحيد
عادةً ما يتفاقَم هذا الصراع، السعي للسيطرة الكامله، عندما يتزوج الأبن أو الأبنة الواقعين تحت سيطرة، وحينها يكون هناك إحدى الخياران، إما أن يَخضَع الطرف الجديد خضوعًا تامًا مثلما يخضع الإبن أو الإبنة، ولا يكون له حق في اختيار طريقة تَسيير بيتِهِ، بل يكون مُنتَظَر من البيت الجديد أن يسير بنفس الطريقة التي يتعامل بها الأب أو الأم مع إبنهم أو بنتهم، بسيطرة تامة، وذلك بالتَحَكُّم في مواعيد نومِهم وصحيانِهِم وطريقة صَرفِهِم للأموال وعِلاقاتِهِم وتربيتهم لأبنائِهِم، يجب أن يكون الكُل خاضِع للبيت القديم، ولا يجب أن يكون للطرف الجديد أي رأي؛ ودائمًا ما أسعى للسيطرة ولامتلاك البيت الجديد حتي إن كُنت لا أستطيع أن أفعل ذلك بطُرُق مُباشِرة، فسوف أسعى لأُسَيطِر بطُرُق غير مُباشرة، وذلك بالضغوط المادية أو النفسية، وذلك بأن أفتح أو أُغلِق أبواب أنا أمتلكها، وإن لم يَستَجِب بالخنوع لي، أتّخِذ إجراء عكسي بأن أهَمِّشَهُ وأجعل الآخرين مِن العائلة والمُجتَمَع الكنسيّ والأصدقاء أن يُهَمِّشوه ويُبغِضوه ويتَحَدّوه ويَرفُضُوه، لأنه لم يسير وِفقًا لمشيئتي، بل أشتكي عليه وأتّهِمَهُ كذبًا بأنه مُسَيطِر وغَضوب ومُتَعَنِّت، وذلك لمُجرد أنه غير خاضِع لسيطرتي. هل مثل هذه الأمور في العلاقات تُغضِب الله؟ وكيف لنا أن نُتعِب ونُعَذِّب مَن حولنا، ومِن ثَم نذهَب للكنائس وكأننا أبرار، ظانين أن مِثل هذه الأمور بعيدة عن الله وهو لا يراها ولا يُحاسِب عنها. هل استعباد الآخرين ليست خطية؟
هُناك الكثير مِن المشاكِل تأتي نتيجة لعدم احترامي لحدود الآخر، غير مُعتَبِر نفسي مُسيطِر، غير مُدرِك لرغبتي في امتلاك الآخر وفي جعلِهِ مِثلي. كثيرين مِن هؤلاء المُتَسلِطين لا يروا إلا أنهم يفعلون الصواب، حيث أنهم يعتقدوا أن ذلك نابِع مِن محبتهم لمَن يسيطروا عليهم
يجب ألا نَسلك هكذا في علاقاتنا بأبنائِنا وأصدقائِنا، بل يجب أن نمتلئ أتضاع ورحمة تجاه الآخرين، حتي إن كانوا أقل مِنّا سِنًا أو مقامًا، تاركين لهم حرية الاختيار في كل مجالات الحياة. نعم مِن الممكن أن ننصح ولكن هناك فرق شاسِع بين أن ننصح ونقول رأينا وبين أن نُجبِر ونُسيطِر أو نُطالِبهم بدفع ثمن عطائِنا لهم. إن حب وحترام الناس لنا لا يعني أن يوافقونا ولا أن يفعلوا كل ما نُريد؛ فالاختلاف لا يعني عدم الاكرام
في (أمثال 30: 21) " تحتَ ثَلاثَةٍ تضطَرِبُ الأرضُ... تحتَ عَبدٍ إذا مَلكَ،"عندما يملُك عبد، يملُك بطبيعة العبيد المذلولين، فيعوِّض نقصِهِ ويستَعبِد مَن حولِهِ، ولا يقبَل الاستماع لآراء الآخرين، فهو يُريد السيطرة الكامِلة، والنتيجة أنه يضطرب كل من حولهُ
ليس كذلك تسلُّط البار الخائِف الرب، في (صموئيل الثاني 23: 3- 4) " إذا تسَلَّطَ علَى النّاسِ بارٌّ يتَسَلَّطُ بخَوْفِ اللهِ، وكنورِ الصّباحِ إذا أشرَقَتِ الشَّمسُ. كعُشبٍ مِنَ الأرضِ في صباحٍ صَحوٍ مُضيءٍ غِبَّ المَطَرِ."، فهو يتسلّط برحمة وبخوف الله، فهو يُعطي مَن حوله حقوقِهِم، فيكون تسلط هذا الشخص، صالح ومُريح ومُشبِع للقلوب، يكون تسلّط الأم أو الأب أو الزوج أو القائِد البار على مَن يقودهم، مِثل النور الذي يُضيء لهم الطريق، مِثل المطر الذي يُغَذِّي ويُنعِش ويُنَظِّف الأرض، تارِكًا لهم حريتهِم، فأمام تلك المحبة لا يجد هؤلاء إلا الطاعة برضا، حيث أن هذا القائِد يقودهم لصالحِهِم لا لصالحِهِ هو
(إرميا 23: 2) "لذلكَ هكذا قالَ الرَّبُّ إلهُ إسرائيلَ عن الرُّعاةِ الّذينَ يَرعَوْنَ شَعبي: أنتُمْ بَدَّدتُمْ غَنَمي وطَرَدتُموها ولَمْ تتَعَهَّدوها. هأنَذا أُعاقِبُكُمْ علَى شَرِّ أعمالِكُمْ، يقولُ الرَّبُّ." أن تكون أنت راعي أو أب أو أم أو خادِم أو في أي مَوْضِع مسئولية، يجب أن تحترم تلك المسئولية، ويجب أن تتسلّط بخوف الله، حتى لا تُحاسَب على عدم أمانتك؛ يجب أن تطلب مِن الله المعونة والحكمة مِن أجل هذه المسئولية
في (أخبار الأيام الأولى 29: 10- 12) "مُبارَكٌ أنتَ أيُّها الرَّبُّ إلهُ إسرائيلَ أبينا مِنَ الأزَلِ وإلَى الأبدِ. لكَ يا رَبُّ العَظَمَةُ والجَبَروتُ والجَلالُ والبَهاءُ والمَجدُ، لأنَّ لكَ كُلَّ ما في السماءِ والأرضِ. لكَ يا رَبُّ المُلكُ، وقَدِ ارتَفَعتَ رأسًا علَى الجميعِ. والغِنَى والكَرامَةُ مِنْ لَدُنكَ، وأنتَ تتَسَلَّطُ علَى الجميعِ، وبيَدِكَ القوَّةُ والجَبَروتُ، وبيَدِكَ تعظيمُ وتَشديدُ الجميعِ." هذا ما يفعلهُ الله عندما يُريدنا أن نَخضَع لهُ، هو يريد أن يتسلّط على حياتنا ليُغنيها وليُشبِعها وليُريحها، لا ليُفقِرها أو ليذِلنا أو يَستعبِدنا. تكوّن لدى الكثير صورة مُشَوَّهة عن الله نتيجة لما يروه مِمَّن يتسلّطون عليهم بالشر. الله له كل الحق في التَسَلُّطْ والتَسَيُّدْ علينا ويجب أن نُعطيه هذه السيادة، حيث أنه لا يأخذها عُنوةً دون أن تُعطيها أنت لهُ طواعيةً، وأن تَطلُب مِنه أن يملك على حياتك، فيجب أن تَثِق فيه أنه سيفعل ما هو صالح لك، وأنه سيتسلّط برحمة ليبارِك حياتك ويُشبِعها
فعندما تُسَيطِر بالشر، أنت تُكَوِّن رسالة خاطِئَة عن الله الذي هو فوق الجميع والذي لم يفعل مَعَك هكذا، بَل قدَّم لك العون والرحمة، حتى في وقت أخطائِكَ. فلَم تكُن إرادة الله للكهنة وللشعب أن يَرجِموا المرأة الخاطِئة. للأسف يفرح الإنسان عندما يقع أحدهم فريسة في يده، ويفرح عندما يمسك عليهِ ذلة، لأن بهذا سيتسلّط عليه؛ ولكن الرب وصف لنا مراحِمه عندما تعامل مع المرأة الخاطئة، (يوحنا 8: 10) "فلَمّا انتَصَبَ يَسوعُ ولَمْ يَنظُرْ أحَدًا سِوَى المَرأةِ، قالَ لها: «يا امرأةُ، أين هُم أولئكَ المُشتَكونَ علَيكِ؟ أما دانَكِ أحَدٌ؟». فقالَتْ «لا أحَدَ، يا سيِّدُ!». فقالَ لها يَسوعُ: «ولا أنا أدينُكِ. اذهَبي ولا تُخطِئي أيضًا»." لم يفرح ولم يُبارِك الرب تسلُّط الأشرار والجبابرة على المسكين، ولكنه كان دائمًا ضِد الشر والخطية. (إشعياء 49: 7) "هكذا قالَ الرَّبُّ فادي إسرائيلَ، قُدّوسُهُ، للمُهانِ النَّفسِ، لمَكروهِ الأُمَّةِ، لعَبدِ المُتَسَلِّطينَ: «يَنظُرُ مُلوكٌ فيَقومونَ. رؤَساءُ فيَسجُدونَ. لأجلِ الرَّبِّ الّذي هو أمينٌ، وقُدّوسِ إسرائيلَ الّذي قد اختارَكَ»."
ما أصعب أن تكون عبدًا للمُتَسَلطين، ولكن وعد الرب لك أنه يَرفَع عَنكَ هذا، ويُحَوِلَهُ لخيرك. ولكن احذر فقد يأتي دورك لتكون أنت مُتَسلِّط على آخرين، فإذا جائك الوقت لتتسلط بأي شكل، فالتتسلط بخوف الله وكنور مُشرِق